كيف بدأت الحروب الصليبية ??
كان السلاجقة من الأتراك الذين دخلوا فى الإسلام فى أوائل القرن الرابع الهجرى، ولم يحل القرن الخامس الهجرى حتى كانوا سادة الجناح الشرقى من العالم الإسلامى بعد انتصارهم على الغزنويين والخوارزمية من حدود الهند إلى بغداد، وكانت الخلافة العباسية فى طور ضعفها، فلم ينقلبوا عليها، ولكنهم ساندوها وعظموها تعظيما للإسلام.
وأول من ملك منهم هو السلطان محمد طغرلبك الذى محا دولة بنى بويه الشيعية ودخل بغداد سنة 447هـ وكان أقوى رجال عصره وأوسعهم سلطانا.
تقول الروايات إن طغرلبك عندما لقى الخليفة القائم عام 449- وكان الخليفة مستضعفًا إذ ذاك، لاحول له ولا قوة- ملكته المهابة وهو ينظر إلى رمز سيادة الإسلام "وعليه بردة النبى صلى الله عليه وسلم، وبيده القضيب الخيزران فقبّل السلطان الأرض، وقبل يد الخليفة.. ووضعها على عينيه.. مخاطبا الخليفة قائلا:
"إن أمير المؤمنين شاكر لسعيك حامد لفعلك، مستأنس بقربك، وقد ولاك جميع ما ولّاه الله من بلاده، ورد عليك مراعاة عباده، فاتق الله فيما ولاك، واعرف نعمته عليك فى ذلك، واجتهد فى نشر العدل وكف الظلم وإصلاح الرعية".
وهكذا حمل مسئولية الإسلام وأمانة الدين، فطمحت نفسه للجهاد والإصلاح.. وبعد وفاة طغرلبك فى 455 تولى من بعده ابن أخيه ألب أرسلان ، وقد تحددت للدولة أهدافها وهى الدفاع عن بيضة الاسلام، فاتجه بجنده شرقا نحو الدولة البيزنطية التى كانت قد اقتطعت أجزاء كبيرة من العالم الإسلامى فى سنين الضعف والاضمحلال، فانتزع منها بلاد الأرمن، ثم شمال الموصل، والممرات المؤدية إلى آسيا الصغرى، وفى نفس السنة أغار على آسيا الصغرى حتى وصلوا إلى عمورية وقونية وخونى على ساحل بحر إيجه([1]).
وصفه ابن الأثير بقوله:
هو ألب أرسلان محمد بن داود جغرى بك بن ميكائيل بن سلجوق. وكان كريمًا عادلاً عاقلاً لا يسمع السعايات واتسع ملكه جدًا ودان له العالم.. وبحق قيل له سلطان العالم. وكان رحيم القلب رفيقًا بالفقراء كثير الدعاء بدوام ما أنعم الله به عليه؛ اجتاز يومًا بمرو على فقراء الخرائين فبكى وسأل الله تعالى أن يغنيه من فضله وكان يكثر الصدقة فيتصدق فى رمضان بخمسة عشر ألف دينار، وكان فى ديوانه خلق كثير من الفقراء فى جميع ممالكه عليهم الإدرارات والصلات، ولم يكن فى جميع بلاده جناية ولا مصادرة، قد قنع من الرعايا بالخراج الأصلى يؤخذ منهم كل سنة دفعتين رفقًا بهم. وكتب إليه بعض السعاة سعاية فى وزيره "نظام الملك" وذكر ماله من الرسوم والأموال، وتركت على مصلاة فأخذها فقرأها ثم سلمها إلى نظام الملك وقال له: خذ هذا الكتاب فإن صدقوا فى الذى كتبوه فهذب أخلاقك وأصلح أحوالك، وإن كذبوا فاغفر لهم ذلّتهم واشغلهم بما يشتغلون به عن السعاية بالناس. وهذه حالة لايذكر عن أحد من الملوك أحسن منها.
وكان كثيرًا ما يقرأ عليه تواريخ الملوك وآدابهم وأحكام الشريعة، ولما اشتهر بين الملوك حسن سيرته ومحافظته على عهوده أذعنوا له بالطاعة والموافقة بعد الامتناع، وحضروا عنده من أقاصى ما وراء النهر إلى أقصى الشام. وكان شديد العناية بكف الجند عن أموال الرعية، بلغه أن بعض خواص مماليكه سلب من بعض الرستاقية إزارًا، فأخذ المملوك وصلبه فارتدع الناس عن التعرض إلى مال غيرهم، ومناقبه كثيرة لا يليق بهذا الكتاب أكثر من هذا القدر منه([2]).
* * *
ها هو ذا الحديث يسوقنا سوقًا إلى الحدث الذى كان السبب المباشر فى تحرك أوروبا الجماعى ضد الإسلام فيما يعرف فى التاريخ بالحروب الصليبية.
ففى سنة 463من هجرة سيد البشر صلى الله عليه وسلم الموافقة لسنة 1071 من ميلاد السيد المسيح عليه السلام وقعت إحدى معارك التاريخ الكبرى – معركة ملاذكرد – والتى كان بطلها السلطان محمد ألب أرسلان.
فى ذلك العام خرج إمبراطور الروم أرمانوس بنفسه على رأس جيش هائل مكون من مائتى ألف مقاتل من الروم والفرنج والروس والبشناق والكرج وغيرهم.. وهم فى عدة وعتاد وزينة، قاصدين بلاد الإسلام، حتى وصلوا إلى "ملازكرد" من أعمال "خلاط".
ويبدو أن هذا التحرك الضخم قد أحاطت به السرية، وتم بسرعة كبيرة حتى أن ألب أرسلان فوجئ بأخباره بحيث لم يكن أمامه متسع من الوقت لجمع جيوشه للتصدى لهذا الخطر الكبير.
لكنه لم يضيع وقت،وساقته همته العالية إلى أن يسير بمن كان حاضرًا معه من جنده للقاء العدو. وكان كل جنده الذين معه خمسة عشر ألف فارس. فجدّ بهم السير فى اتجاه الروم بعد أن أعلم جنوده بهذه الكلمات القليلة القوية:
"إننى أقاتل محتسبا صابرًا، فإن سلمت فنعمة من الله تعالى، وإن كانت الشهادة فإن ابنى ملكشاه ولى عهدى".
كان امبراطور الروم قد قدم أمامه قوة من عشرة آلاف من الجنود الروس لبعض المهام فالتقت بها مقدمه الجيش المسلم، ودار بين الفريقين قتال عنيف انتهى بانتصار حاسم للمسلمين، وهزيمة ساحقة للروس وأسر قائدهم الذى أرسله ألب أرسلان مع ما غنم إلى وزيره نظام الملك وأمره أن يرسله إلى بغداد.
ولكن عندما أهَلَّ الجيش البيزنطى الكبير، ملأ الأفق، وغطى وجه الأرض، وأصبح جيش ألب أرسلان كعين ماء صغيرة أمام بحر خضم فلما هاله هذا المنظر بعث إلى امبراطور الروم يطلب منه المهادنة، فأجاب على طلبه بصلف الواثق من قوته قائلا: "لا هدنة إلا بالرى" و"الرى" هى – يومئذ – عاصمة الدولة السلجوقية وتقع فى شرق بلاد فارس ، وهذا الرد يحمل من التهديد والوعيد مالا يخفى.
لعل السلطان داخله بعض الخوف أو التردد، وهنا يبرز لنا دور العلماء الربانيين الذين يقومون بربط المخلوق بالخالق، بهم يُثبت الله المؤمنين لأنهم – لهذه الأمة – هم القدوة ، إن صلحوا صلحت الأمة، وإن فسدوا فسدت الأمة.
يصف ابن الأثير الدور الذى قام به أحد أولئك الصالحين بقوله: "فقال له إمامه وفقيهه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخارى الحنفى: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان وأرجو أن يكون الله تعالى قد كتب باسمك هذا الفتح، فالقهم يوم الجمعة بعد الزوال فى الساعة التى تكون الخطباء على المنابر فإنهم يدعون للمجاهدين بالنصر والدعاء مقرون بالإجابة.. فلما كان تلك الساعة صلى بهم وبكى السلطان، فبكى الناس لبكائه ودعا ودعوا معه (فقال وقد اعترته غاشية جلالة وثقة بالله): من أراد الانصراف فلينصرف فما ههنا سلطان يأمر وينهى.
وألقى القوس والنشاب وأخذ السيف والدبوس وعقد ذنب فرسه بيده، وفعل عسكره مثله، ولبس البياض وتحنّط وقال: إن قتلت فهذا كفنى.
وزحف إلى الروم وزحفوا إليه فلما قاربهم ترجَّل وعَفَرَ وجهه على التراب وبكى وأكثر الدعاء، ثم ركب وحمل وحملت العساكر معه، فحصل المسلمون فى وسطهم، وحجز الغبار بينهم فقتل المسلمون فيهم كيف شاؤوا وأنزل الله نصره عليهم، فانهزم الروم وقتل منهم مالا يحصى حتى امتلأت الأرض بجثث القتلى وأسر ملك الروم"([3]).
لقد كانت معركة ملاذكرد كارثة من أكبر الكوارث التى نزلت بأوربا المسيحية، مما استنفرها بقوة لصد عادية المسلمين. فعقب هذه المعركة استنجد الامبراطور البيزنطى بالبابا فى روما. ولما كانت القسطنطينية تمثل خط الدفاع الأول فى وجه الإسلام فقد هب البابا للأمر([4]).
وقامت الدنيا ولم تقعد.
أرسل البابا الرسائل إلى ملوك أوروبا وأمرائها يحضهم على الخروج لحرب المسلمين، وأطلق القساوسة والرهبان المتحمسين يجوبون أوروبا طولاً وعرضا يشحذون الهمم ويجمعون الآلاف المؤلفة من المتطوعين معظمهم من الفلاحين الذين خرجوا بنسائهم وأطفالهم للحرب المقدسة وراحوا يغذون ذلك بشتى أنواع الأكاذيب والافتراءات...
وهكذا بدأت شرارة الحروب الصليبية التى أشعلت الدنيا نارا – بعدها- لعدة قرون..
[1] ) نقلا عن كتاب موكب الشهداء الجزء الثانى للمؤلف، مخطوط.
[2] ) الكامل فى التاريخ، احداث سنة 465هـ.
[3] ) الكامل فى التاريخ، احداث سنة 463هـ.
[4] ) الصراع ابين العرب وأوربا للدكتور عبد العظيم رمضان، ص320.
المصدر الاساسي
http://www.mkthabit.com/index.php?option=com_content&view=article&id=3810:2011-04-29-13-32-42&catid=1019:2011-01-12-21-24-03&Itemid=232
آخر اخبارنا
اهم الفاعليات لهذا الشهر
شهادات العملاء
من بين عدة انظمة للمحاسبة وقع اختيارنا على آفاق للمحاسبة لانه مناسب لطبيعة نشاطنا وانتشار فروعنا في مناطق مختلفة
آفاق للحسابات العامة نشكركم على هذا المنتج الرائع والي مزيد من التقدم والرقي لهذا المنتج الرائع
نقاط البيع واصدار الفواتير عبر نظام آفاق بالفعل هو الافضل مع تجربتنا لاكثر من نظام محاسبي كان آفاق الافضل من بينها
الشبكات الإجتماعية
الوسوم
تغريدات تويتر
-
web3jba @web3jba 4h
"برنامج محاسبة: برنامج محاسبة الى كل الشركات التى تقوم بمشاريع ذات تكاليف كثيرة لديك الان… https://t.co/Y9aiYAxLTN"
عرض التغريدة -
alkhateeb_groub @alkhateeb_groub 4h
"شاركنا باسم افضل برنامج محاسبة تعمل عليه ؟؟ مجموعة الخطيب للمحاسبة والتدقيق والتحكيم المالي والاستشارات الضريبية"
عرض التغريدة -
edara_arabia @edara_arabia 4h
"مجانا : برنامج #محاسبة متكامل هذا البرنامج يمكنك من تسجيل الدخل والمصروفات وعمل #ميزانية الشهرية والسنوية... https://t.co/hiWH94zgk3"
عرض التغريدة -
egydrem @egydrem 4h
"#إيجي_موب : برنامج حسابات رائع قد تدفع الكثير من المال فى برنامج معقد لن يفيدك فى شئ وقد تدفع القليل فى برنامج... http://t.co/mcFDTffZ7R"
عرض التغريدة