كيف تم إحراق الأبراج الصليبية على أسوار عكة ؟

 وصف المؤرخ ابن الأثير المتوفى سنة 630هـ فى كتابه الرائع "الكامل فى التاريخ" ملحمة الصراع على عكا بين المسلمين والصليبيين، وكيف أحكم الصليبيون الحصار على المدينة من البر والبحر بأعداد هائلة وصفها بأنها كالنمل ..وسلاح وعتاد لا يحصى..

فى أحداث سنة 586 من هجرة سيد البشر صلى الله عليه وسلم، جاء خبر تلك المرحلة من مراحل الصراع فقال:

كان الفرنج فى مدة مقامهم على عكا قد عملوا ثلاثة أبراج من لاخشب عالية جدًا، طول كل برج منها خمس طبقات، كل طبقة مملوءة من المقاتلة وقد جمع أخشابها من الجزائر، فإن مثل هذه الأبراج العظيمة لا يصلح لها من الخشب إلا القليل النادر، وغشوها بالجلود والخل والطين والأدوية التى تمنع النار من إحراقها، وأصلحوا الطرق لها، وقدموها نحو مدينة عكا من ثلاث جهات، وزحفوا بها من العشرين من ربيع الأول، فأشرفت على السور وقاتل من بها من عليه فانكشفوا وشرعوا فى طم خندقها، فأشرف البلد على أن يملك عنوة وقهرًا، فأرسل أهله إلى صلاج الدين إنسانًا سبح فى البحر، فأعلمه ما هم فيه من الضيق، وما قد أشرفوا عليه من أخذهم وقتلهم، فركب هو وعساكره وتقدموا إلى الفرنج، وقاتلهم من جميع جهاتهم قتالاً عظيمًا دائمًا يشغلهم، عن مكاثرة البلد، فافترق الفرنج فرقة تقاتل صلاح الدين وفرقة تقاتل أهل عكا إلا أن الأمر قد خفّ عمن بالبلد، ودام القتال ثمانية أيام متتابعة آخرها الثامن والعشرون من الشهر، وسئم الفريقان وملوا منه لملازمته ليلا ونهارا، والمسلمون قد تيقنوا استيلاء الفرنج على البلد لما رأوا من عجز من فيه عن دفع الأبراج فإنهم لم يتركوا حيلة إلا عملوها، فلم يفِدْ ذلك ولم يغن عنهم شيئًا، وتابعوا رمى النفط الطيار عليها فلم يؤثر فيها، فأيقنوا بالبوار والهلاك، فأتاهم الله بنصر من عنده، وأذن من إحراق الأبراج.

وكان سبب ذلك أن إنسانًا من أهل دمشق كان مولعًا بجمع آلات النفاطين، وتحصيل عقاقير تقوى عمل النار، فكان من يعرفه يلومه على ذلك وينكره عليه، وهو يقول: هذه حالة لم أباشرها بنفسى إنما اشتهى معرفتها، وكان بعكا لأمر يريده الله، فلما رأى الأبراج قد نصبت على عكا شرع فى عمل ما يعرفه من الأدوية المقوية للنار بحيث لا يمنعها شىء من الطين والخل وغيرهما، فلما فرغ منها حضر عند الأمير قراقوش، وهو متولى الأمور بعكا، والحاكم فيها، وقال له: يأمر المنجنيقى أن يرمى فى المنجنيق المحاذى لبرج من هذه الأبراج ما أعطيه حتى أحرقه، وكان عند قراقوش من الغيظ والخوف على البلد ومن فيه ما يكاد يقتله، فازداد غيظًا بقوله، وحرد عليه فقال له: قد بالغ أهل هذه الصناعة فى الرمى بالنفط وغيره فلم يفلحوا، فقال له من حضر: لعل الله تعالى قد جعل الفرج على يد هذا، ولا يضرنا أن نوافقه على قوله، فأجابه إلى ذلك، وأمر المنجنيقى بامتثال أمره، فرمى عدّة قدور نفطًا وأدوية ليس فيها نار، فكان الفرنج إذا رأوا القدر لا يحرق شيئًا يصيحون ويرقصون ويلعبون على سطح البرج، حتى علم أن الذى ألقاه قد تمكن من البرج ألقى قدرًا مملوءة وجعل فيها النار، فاشتعل البرج، وألقى قدرًا ثانية وثالثة، فاضطرمت النار فى نواحى البرج، وأعجلت من فى طبقاته الخمس عن الهرب والخلاص، فاحترق هو ومن فيه، وكان فيه من الزرديات والسلاح شىء كثير، وكان طمع الفرنج بما رأوا أن القدور الأولى لاتعمل يحملهم على الطمأنينة وترك السعى فى الخلاص حتى عجل الله لهم النار فى الدنيا قبل الآخرة، فلما احترق البرج الأول انتقل إلى الثانى – وقد هرب من فيه لخوفهم – فأحرقهم وكذلك الثالث، وكان يومًا لم ير الناس مثله والمسلمون ينظرون ويفرحون، وقد اسفرّت وجوههم بعد الكآبة فرحًا بالنصر، وخلاص المسلمين من القتل، لأنهم ليس فيهم أحد إلا وله فى البلد إمّا نسيب وإما صديق.

وحُمل ذلك الرجل إلى صلاح الدين فبذل له الأموال الجزيلة والأقطاع الكثيرة، فلم يقبل منه شيئا وقال: إنما عملته لله تعالى ولا أريد الجزاء إلا منه.

(التاريخ الكامل لابن الأثير- أحداث سنة 586هـ)



المصدر الاساسي 


http://www.mkthabit.com/index.php?option=com_content&view=article&id=3608:2011-01-14-21-03-02&catid=1019:2011-01-12-21-24-03&Itemid=232






مواضيع متعلقة


اهم الفاعليات لهذا الشهر


الشبكات الإجتماعية

تغريدات تويتر