عمرو سلامة يكتب: مطالب عصرية وحلول ديناصورية


 



عمرو سلامة عمرو سلامة 


أتذكر عندما كان يأتي أحد وقت الثورة، ويقول لي: «يا بني عيب.. مبارك ده زي أبوك»، كان ردي له واحدا: أبويا -وهو من أكثر الأشخاص الذين أحبهم في العالم- أكن له كل الاحترام، قد أساعده في مرور الشارع، قد أغسل له رجليه، إن طلبها مني، لكنه إن أصر أن يقود السيارة، ونظره ضعيف، مثلا، فلن أركب معه، وقد لا أسمح له، ولو أصر، ولأنه سيقتل المارة بقيادته، فيجب علي أن أمنعه، وإن استطاع وفعل، وقتلهم، وكنت القاضي فسأحكم عليه بالعدل.


 


هذا إن افترضت جدلا أنه والدي، لكن أنا لي أب واحد، حتى عمي ليس والدي، ولو كان والدي سرقني، وضربني، وقتل إخوتي، فمهما كنت ملاكا، كنت سأكرهه، وقد أكون أول من يفكر في قتله انتقاما، وإحقاقا للعدل، لو كان تحقيق العدل في يدي.


 


بالطبع كان هذا الحديث يترجم أوقاتا على أنه جحود، أو طيش، لكنه في الأغلب كان يترجم على أنه توقح، وقلة أدب.


 


الحقيقة المطلقة هنا، أن فجوة الفكر بين الأجيال كبرت، بسبب حجم التطور الكبير والسريع، فأصبح هناك فجوة تشابه فجوة التواصل بين اثنين من لغتين مختلفتين، لا يعرف كل من متحدثيهما لغة الآخر.


 


تكلم كثيرون في ذلك، لكنهم ما زالوا لا يريدون إدراك حجم هذه الفجوة، ومواجهة نفسهم بأنهم كديناصور جالس أمام كمبيوتر، يحاول أن ينشئ صفحة على الفيسبوك، ففي النهاية لن يقوم إلا بتحطيمه، أو إحراقه مع أول لهب يخرج من أنفه.


 


أول أسباب الفجوة هو أن الجيل القديم ما زال يعتقد في مسلمات، أصبحت باطلة بالنسبة لبعضنا، والبعض الآخر لم يسمع عنها أصلا.


 


أول مسلم به هو الخطوط الحمراء، بالنسبة لنا هناك خطان حمر فقط في الحياة، وتستطيع أن تجدهما على فانلة فريق الزمالك، ولهذا فهو يخسر دائما ليكئب شخصاً غلبان، مثلي، يشجعه.


 


أما كل شيء آخر، فلا يوجد خط أحمر أو بمبي حوله، هناك فقط قانون، قانون يأتي من مشرعيه، بتوافق شعبي حوله، مع ملاءمته لعصره، وقواعد يتفق معها العالم، والحضارة الإنسانية.


 


جيل الأبيض والأسود و«سعيدة مبارك» ما زال يحل المشكلة من نهايتها، لا من أولها، ونهايتها دائما تكون أمنية قمعية رقابية منعية، في وقت أثبت فيه الأمن فشله، وقلع بلبوصا أمام ثورة المعلومات، واحترام البشرية لحقوق الإنسان، أثبت فيه القمع أنه هش أمام مقاومة الشعوب، أصبحت الرقابة سرابا، في وقت أتاحت فيه الإنترنت كل شيء بين أصابعك، وأصبح المنع يستخدم فقط لتجنب الحمل.


 


الجيل الذي كان يظن عماد حمدي نجم الشباك الأول، وحسين صدقي أكثر الرجال أناقة، هو جيل لا يفهم التعددية، لا يفهم الاختلاف، لا يفهم أن الانتقاد أصبح طبيعة البشر، إن الأدب لا يعترف بصمت الإنسان عندما يرى ما لا يعجبه، بل إنه يقول للأعور إنه أعور في عينه، وإن قالها ببعض من اللباقة قد يلوم نفسه أنه ينافق هذا الأعور، ولا يستطيع أن ينام ليلا.


 


الجيل الذي كان يدمع عندما يرى عبد الناصر يلوح له بيده مرتديا بذلته العسكرية، ويهلل له كلما على أكثر من صوته، مهما كان ما يقوله ويدمع له، كلما تحشرج صوته، لا يفهم أن عصر الرموز انتهى، والرمز الوحيد هو الشعب.


 


الجيل الذي تربى وكبر وترقى، وأصبح قائدا في عصر مثل عصر مبارك، هو رافع دائما لشعار «يا عزيزي كلنا فاسدون»، يظن أنه إن زج بكل فاسد في السجون، فلن يجد من يمشي في الشوارع، ولا يريد أن يواجه نفسه بأن هناك شرفاء لم يلوثهم الفساد، كما فعل معهم، وأنه ليس من الصعوبة إيجادهم، ممكن يلاقيهم لو عمل عليهم بحث في جوجل تحت اسم «ثورة شعب مصر».


 


الجيل الذي صدق في ٦٧ أننا ننتصر، وقتما كان شباب مصر يذبحون، لا يستطيع أن يدرك أننا ببساطة لا نصدق الإعلام، وأنه لا يوجهنا، نحن نصدق أنفسنا، وأعيننا، وآذاننا فقط، وفي بعض الأحيان فقط أصدقاءنا، بعد أن نتأكد من عدة مصادر على التويتر.


 


جيل «ما لكش دعوة بالسياسة»، الجيل الذي حدث له استئصال مروءة، ولم يقف مرة وقال لا، لما يراه من ظلم، إلا من رحمه ربي، ولم يعترض على كل تعديل دستوري كان يسخر لتأليه شخص، وتحقير شعب، لا يدري أننا لا نبالي بما هو قانوني وعادل، من وجهة نظر قانون صنعه الظلمة، كيف نحاكم المجرم إن كان هو من صنع القانون؟ نحن نؤمن فقط بقانون البشر الحقيقي، قانون ليس في الكتب المسطرة، بل في القلوب المجروحة.


 


أنتم جيل سميتم حركة انقلابية للضباط بالثورة، وتريدون أن تسموا ثورتنا بالحركة، فكيف ستقومون بقرارات ثورية تلائم مستوى الحدث؟ 


أنتم جيل قد تستحقون منا الاحترام والتبجيل، لكن لن تنالوا منا طاعة عمياء، أو انصياعا لما لن نقتنع به.


لو كان أحدكم شريفا وأمينا على مصلحة هذا البلد، فليحترم شعره الأبيض، وتجاعيد وجهه، ويجلس في مكان الحكيم، ويلقب نفسه بالمستشار، أو الخبير، نستفيد منه إن ضللنا الطريق، وليترك مكانه برضاه وكرامته، ومن نفسه، لمن هو أدرى وأعلم بطلبات جيل وضع روحه على كفه، ليطالب بحقوق ظننتم أنتم أنها أحلام.




مواضيع متعلقة


اهم الفاعليات لهذا الشهر


الشبكات الإجتماعية

تغريدات تويتر