د. أحمد خالد توفيق يكتب.. إشارة مرور أخرى


 



لا تصالحْ! ولو منحوك الذهبْحسني  مبارك المخلوع


أترى حين أفقأ عينيكَ 


ثم أثبت جوهرتين مكانهما..


هل ترى؟


هي أشياء لا تُشترى..


 


أمل دنقل


 


كتب أمل دنقل هذه الأبيات عن العدو الإسرائيلي، واليوم أكتبها ضد من هو أخطر وأسوأ وأشد كراهية لمصر وحرصًا على دمارها. لقد برهن مبارك على أنه يمقت مصر بلا تحفّظ، وعلى أنه يتعالى على شعبها ويراه مجموعة من الأغنام، وهو مستعد لتدمير مصر وقتل كل شبابها كي يبقى وأولاده يومًا آخر.. باع كل شيء أو سمح ببيعه، وحوّل هذا البلد العظيم إلى خرقة بالية تابعة بلا كرامة..


 


فجأة تتحرك التيارات بسرعة، وتهب عواصف الثورة المضادة بشكل غير مسبوق، ثم تلوح في الأفق أضواء جديدة للتسامح ووعد ببدء صفحة جديدة.. والآن يطلق سراح اسم تلو التالي من تلك الأسماء التي خدّرونا بها بعض الوقت.. كنا نقرأ: القبض على فلان.. فلان بالبذلة البيضاء.. بورتو طره.. فلان يقول لفلان: إنت اللي ورّطتنا... إلخ. ينتشي الناس ويصفقون في نشوة كما كانوا يفعلون أيام الثورة الفرنسية وهم يرون رؤوس النبلاء تتدحرج. لكننا متحضرون ولسنا مثل دهماء الثورة الفرنسية الظامئين للدماء! مع الأسف لسنا مثلهم لهذا ظللنا ننتظر أن يحدث شيء.. التحقيقات كشفت عن أشياء كثيرة، وجعلتنا نفطن إلى ما كنا فيه.. كنا نعرف أننا منهوبون مخدوعون، لكننا لم نتصور أن تبلغ الأمور هذا المبلغ، ولا أن الفساد كان بهذا القدر. معجزة حقيقية هي أن هؤلاء القوم ظلوا يبدون بشريين ولم تنبت لهم أنياب ولم يسل اللعاب من أشداقهم. لماذا سرقوا كل هذه المبالغ؟ لتأمين مستقبلهم ومستقبل أحفاد أحفادهم؟ برضه تظل المبالغ باهظة جدًا وتنم عن روح "الاستخسار".. أو كما يقول اللسان الشعبي ساخرًا "بدل ما حد تاني ياخدهم". ونحن رأينا الفقر على أصوله، ورأينا المريض الذي يموت؛ لأنه لا يملك خمسين جنيهًا، ورأينا مشاجرات تُفتح فيها البطون بسبب مائتي جنيه، وقرأنا مرارًا عن العامل الذي يحرق نفسه لأنه لا يستطيع شراء كراسات المدارس لأولاده.. لهذا يحمد المرء ربه على نعمة ألا يكون مسئولاً إلا عن أسرته.. كيف ينام المرء وهو يعرف أنه مسئول عن تعاسة خمسة وثمانين مليون مصري؟ وماذا عن الحساب؟ هذا يقودك لاستنتاج أهم؛ هو أن هؤلاء القوم لا يؤمنون بوجود حساب كذلك، وحتى لو تظاهروا بذلك فهذا الادّعاء لا يتجاوز الحناجر!


 


هكذا دارت التحقيقات أيامًا..


 


انتشى الناس بالخبز وألعاب السيرك قليلاً، ثم انتهى الحفل فجأة، وبدأ مسلسل عودة السادة.. إفراج.. انتهاء تحقيقات.. إخلاء سبيل.. 


 


كلام كثير عن التسامح والعفو.. عفو إيه بالضبط؟ وهل كان مبارك سيعفو عن أي واحد من الذين قاموا بالثورة لو فشلت؟ ولو كان يحب العفو بهذا القدر فلماذا لم يعفُ عن بطل أكتوبر العظيم الشاذلي، وسجنه برغم سنه ومكانته والصدق الواضح في مذكراته؟


 


كعادة مبارك في الكذب في كل شيء؛ منذ وعد بأنه لن يجدد فترة الرئاسة، والكفن مالوش جيوب، ومنذ وعد بأنه لن يسجن صحفيًا.. كالعادة يؤكد أنه لا يملك أي حساب مصرفي خارج مصر، بينما كل البيانات تؤكد وجود حسابات من ذوات التسعة أصفار. الآن يعتذر عما قد يكون قدّمه ضد الشعب المصري، وهو كالعادة كاذب، وهو غير آسف على الإطلاق، لكنه مضطر لمهادنة هؤلاء الجهلة، وأن يعصر على نفسه ليمونة.  


 


لقد فهم مبارك نفسية ربات البيوت السياسيات من طراز "يا روح أمك يا حبيبي.. أصل إحنا ماعندناش أصل.. الراجل ده زي أبونا برضه". وقد كاد يمس القلوب ويقسم الثورة في خطاب "سأدفن في مصر وليقل التاريخ كلمته" الشهير.. اليوم يجرب ذات الحيلة. وسوف تلاحظ أن من تحمّسوا له أول مرة تحمسوا له اليوم، وهم غالبًا من رأوا أن شفيق رئيس وزراء وربما رئيس جمهورية رائع!!


 


من ضمن الأسلحة الأكيدة لدى رجال مبارك تسريب المعلومات المتناقضة بلا توقف.. فعلاً الظاهرة الإعلامية الجديدة هي ظاهرة الخبر الذي يستعمل مرة واحدة Disposable ويتم تكذيبه بعد ساعة. والمشكلة الأخرى هي أن كل شيء مؤامرة كبرى أو خطأ فادح سوف ندفع ثمنه غاليًا فيما بعد... كل شيء حتى فوز نبيل العربي بمنصب أمين جامعة الدول العربية، كأن وزير الخارجية أخطر منصب في الحكومة أو كأنه كان قادرًا على تدمير إسرائيل لكنهم منعوه. والنتيجة هي أن الناس بدأت فعلاً تشك في حكومة شرف، برغم أنها من أفضل الحكومات التي عرفتها مصر مؤخرًا.


 


لا شك في أن مكاسب الثورة يتم تفتيتها ببطء، وكأن الثورة لم تقم إلا من أجل سجن أحمد عز الذي يبدو أنه "هيشيل الليلة كلها"، ما لم نقرأ غدًا خبر الإفراج عنه. نسيت كذلك العادلي الذي لا أنكر أنه سفاح مجرم، لكن من المستحيل أن يتحمل كل شيء وحده.. لقد سخروا من العادلي لأنه كان يلقي مسئولية كل جريمة على المتخلف عقليًا إياه.. اليوم يلقون مسئولية كل جريمة على العادلي، بينما يدعون للعفو عن رئيس العادلي!


 


يقول البعض: أين كنتم أنتم عندما كان مبارك يحكم؟ وما كل هذه الشجاعة؟ الجواب قاله خروشوف عندما كان ينتقد فظائع ستالين بعد موته، فأرسل له أحد الجالسين في اللجنة المركزية ورقة تقول: أين كنت أنت وقت هذه الفظائع يا رفيق؟ نظر خروشوف حوله وسأل: من أرسل هذه الرسالة؟ لم يردّ أحد..


 


قال خروشوف: كنت في ذات المكان الذي تجلس أنت فيه الآن!


 


كان بوسعنا الكلام كثيرًا، والطريق قد مهّدته البلدوزرات الثقيلة التي يقودها عبد الحليم قنديل وعبد الله السناوي وإبراهيم عيسى وعلاء الأسواني وسواهم.. لكن لم تكن أية جهة لتنشر لك مقالاً يدعو لمحاكمة مبارك أو يتهمه بالسرقة. كن معقولاً.... 


 


الخلاصة هي: لا تصالح..


 


لا تكسبوا مبارك وأسرته وتفقدوا مصر التي ستتحول إلى كتلة من النار الثائرة لا تُبقي ولا تذر، لو أدرك الجميع أن الثورة لم تكسب سوى عقاب عز والعادلي، وقيام الشباب بدهان بعض الجدران والأرصفة..


 


ونعود من جديد لأمل دنقل العظيم:


 


لا تصالحْ


ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخْ


والرجال التي ملأتها الشروخْ


هؤلاء الذين يحبون طعم الثريدْ


وامتطاء العبيدْ


 


لا تصالحْ


فليس سوى أن تريدْ


أنت فارسُ هذا الزمان الوحيدْ


وسواك.. المسوخْ!




مواضيع متعلقة


اهم الفاعليات لهذا الشهر


الشبكات الإجتماعية

تغريدات تويتر