الاستهانة بالدماء أمر عظيم.. درس من التاريخ

 

كان ذلك فى مصر سنة ست وتسعين وثمانمائة من هجرة من بعثه الله للعالمين رحمة (896هـ)، عندما وقعت تلك الكائنة التى قالوا إنها كانت السبب فى تقوِّض ملك هذا السلطان الكبير وزوال دولته..

كان السلطان الغورى هو المتربع على عرش البلاد، المتولى شئونها، وشيخ الإسلام آنذاك هو الشيخ زكريا الأنصارى، وقاضى القضاة الشيخ بُرهان الدين إبراهيم بن أبى الشريف.

وتبدأ قصتنا عندما ضبط حاجب الحُجّاب بالديار المصرية أحد نوّاب الحكم مع امرأة داخل ناموسية وهما متعانقان، وتحت وطأة الضرب والتعذيب اعترفا بالزنى.

وهذه القصة من بدايتها يفوح منها نتن السياسة ومكائد الحكم وصراعاته..

فلما مثلا بين يدى السلطان رجعا عما أقرّا به من الزنى، وحكم القاضى بصحة رجوعهما، تقول الرواية: فحسّن بعض المُفسدين للسلطان الغورى رجمهما، وقال: هذا أمر لم يفعله أحد من السلاطين قبلك، فتُذكرُ بذلك. فاستفتى، فأفتى الشيخ برهان الدين بصحّة رجوعهما، وعدم جواز قتلهما، فلم يقنع السلطان بذلك، وأمر بعقد مجلس بحضرته، فاجتمع العلماء عنده، وجلس شيخ الإسلام زكريا الأنصارى فى جانب، وبرهان الدين فى جانب، ووقع الكلام فى ذلك.. وآخر الأمر أن الشيخ برهان الدين أغلظ على السلطان، وقال: من قتلهما يُقتل بهما! فقال السلطان: ائتنى بالنقل (أى الدليل). فقال شيخ الإسلام الشيخ زكريا: هو مؤتمن على النقل، ولا يلزمه ذلك، وقوله حُجة! وأشار بيده –وكان مكفوفا- فأصابت عين السلطان، فغضب، وقام وقاموا.

ثم إن السلطان عزل الشيخ برهان الدين، وأمر بالرجل والمرأة أن يُشنقا على باب الشيخ برهان الدين، نكاية فيه، فشُنقا على بابه مُتقابلين: وجه الرجل إلى وجه المرأة.

تقول الرواية: فكانت تلك الواقعة إحدى الكُبر المؤدية لإخراب السلطان وذهاب دولة الجراكسة، ولم يكتف السلطان بشنقهما حتى أرسل يقول للشيخ برهان الدين: اخرج من بلدى، فإنك رجل مقدسى (أى من بيت المقدس)، اذهب إلى بلدك.

وبينما الشيخ يتأهّب للسفر دخل عليه رجل أشعث أغبر، مع أن الباب مُغلق، ووراءه البواب، فقال له: يا إبراهيم، هو الذى يخرج.. أنت لا تخرج! ثم اختفى الرجل، فصاح الشيخ على البواب: أبو بكر، أبو بكر! فلما جاءه قال له: من هذا الرجل الذى دخل علينا؟ فقال: يا سيدى الباب مُغلق، وما دخل أحد! فعلم الشيخ أن الذى دخل عليه من رجال الله، فترك التأهب للسفر.

فى ذلك الشهر نفسه وصلت السلطان الغورى رسالة السلطان سليم العثمانى يهدده فيها، وينذره بأنه قادم إليه بجيوشه، فانشغل بنفسه عن الشيخ برهان الدين، ثم كان ما كان من الحرب ومقتل السلطان الغورى وزوال دولة الجراكسة.

(طبقات المناوى, وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلى)


المصدر  الاساسي 


http://www.mkthabit.com/index.php?option=com_content&view=article&id=4299:2013-04-07-12-16-47&catid=1019:2011-01-12-21-24-03&Itemid=232




مواضيع متعلقة


اهم الفاعليات لهذا الشهر


الشبكات الإجتماعية

تغريدات تويتر