باب الرجل يهدي لمن أسلفه

 استعمله عملاً لم يكن يستعمله مثله قبل القرض كان قرضاً جر منفعة . قال : ولو أضاف غريمه ولم تكن العادة جرت بينهما بذلك حسب له ما أكله .

وأما ' أُبي بن كعب' رضي الله عنه ـ فقد قال عبد الرزاق في ' مصنفه' في (باب الرجل يهدي لمن أسلفه ) . عن الثوري ، عن الأسود بن قيس ، عن كلثوم بن الأقمر(1402) عن زر بن حبيش ، قال : أتيت أبي كعب ، فقلت : إني أريد العراق أُجاهد فاخفض لي جناحك . فقال لي أُبي بن كعب : إنك تأتي أرضاً فاشياً بها الربا ، فإذا أقرضت رجلاً قرضاً فأهدى لك هدية فخذ قرضك وأعد إليه هديته . وقال البيهقي في ' السنن الكبرى' في (باب كل قرض جر منفعة فهو ربا) قال : أخبره علي بن أحمد بن عبدان ، أنا أحمد بن عبيد ، ثنا تمتام محمد بن غالب بن موسى الأزرق ، ثنا سفيان ، عن الأسود بن قيس ، حدثني كلثوم بن الأقمر ، عن زر بن حبيش ، قال : قلت لأُبي بن كعب يا أبا المنذر إني أريد الجهاد فآتي العراق فاقرض . قال : إنك بأرض الربا فيها كثير فاش ، فإذا أقرضت رجلاً فأهدى إليك هدية فخذ قرضك واردد إليه هديته .

وأما ' عبد الله بن عباس' رضي الله عنهما ، فقد قال عبد الرزاق في ' مصنفه ' في (باب الرجل يهدي لمن أسلفه) أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : إذا أسلفت رجلاً سلفاً فلا تقبل منه هدية كراع ولا عارية ركوب دابة .

عن الثوري عن عمار الدهني ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال : إنه كان لي جار سماك فأقرضته خمسين درهماً ،وكان يبعث لي من سمكه ، فقال ابن عباس : حاسبه ، فإن كان فضلاً فرد عليه ، وإن كان كفافاً فقاصصه . وقال البيهقي في 'السنن الكبرى' في باب (كل قرض جر منفعة فهو ربا) :

أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، أنا العباس بن الوليد ، أخبرني أبي ، ثنا الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنه قال في رجل كان له على رجل عشرون درهماً فجعل يهدي إليه وجعل كلما أهدى إليه هدية باعها حتى بلغ ثمنها ثلاثة عشر درهماً ، فقال ابن عباس : لا تأخذ منه إلا سبعة دراهم . صحح هذين الأثرين ابن حزم في ' المحلى' قال : صح عن ابن عباس : إذا أسلفت رجلاً سلفاً فلا تقبل منه هدية كراع ولا عارية ركوب دابة ، وأنه استفتاه رجل فقال له : أقرضت سماكاً خمسين درهماً ، وكان يبعث إليّ من سمكه . فقال له ابن عباس : حاسبه ، فإن كان فضل فرد عليه ، وإن كان كفافاً فقاصصه .

ولأثر ابن عباس هذا طريق أخرى عند حرب الكرماني ، ذكرها العلامة ابن القيم في ' تهذيب سنن أبي داود ' ضمن أدلة تحريم القرض الذي يجر نفعاً .

وأما ' فضالة بن عبيد' رضي الله عنه ، فقال البيهقي في ' السنن الكبرى' في باب (كل قرض جر منفعة فهو ربا) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب : ثنا إبراهيم بن منقذ ، حدثني إدريس بن يحيى ، عن عبد الله بن عياش ، قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق التجيبي ، عن فضالة بن عبيد صاحب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا(1403) .

الثالث ' من أدلة تحريم النفع المشترط في عقد القرض ' الإجماع' حكاه ابن المنذر ،والباجي ، وابن حزم ،وابن قدامة ، وابن حجر ،والعيني ، والهيثمي ، وعلي بن سليمان المرداوي صاحب ' الإنصاف' .

قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المسلف إذا اشترط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا(1404) .

وقال الباجي في ' المنتقى' : أما الشرط فلا خوف في منعه . وقال ابن حزم في ' المحلى' جـ8 ص77 : لا يحل أن يشترط رد أكثر مما أخذ ولا أقل ، وهو ربا مفسوخ ، ولا يحل اشتراط رد أفضل مما أخذ ، ولا أدنى ، وهو ربا ، ولا يجوز اشتراط نوع غير النوع الذي أخذ ، ولا اشتراط أن يقضيه في موضع كذا ، ولا اشتراط ضامن . أ هـ .

نص المحلي ، وقال في شرحه ' المجلي' : لا خلاف في بطلان هذه الشروط التي ذكرها في القروض .

وقال ابن قدامة في ' المغني' : كل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف .

وقال الحافظ ابن حجر في (باب استقراض الإبل) في شرح حديث أبي هريرة في الرجل الذي تقاضى رسول الله صلى الله عليه وسلم دينه فقضاه خيراً منه ،وفيه ' فإن خيركم أحسنكم قضاء' .

قال : فيه جواز رد ما هو أفضل من المقترض ، إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد فيحرم حينئذ اتفاقاً .

وقال العيني في'عمدة القارئ' في (باب وكالة الشاهد والغائب) في شرح حديث أبي هريرة المشار إليه آنفاً قال ص135 ج12 : قد أجمع المسلمون نقلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا . أ هـ .

وقال ابن حجر الهيثمي في ' الزواجر ، عن اقتراف الكبائر ' بعد ذكر أنواع الربا الأربعة : ربا النساء ، وربا الفضل ، وربا اليد ، وربا القرض . قال : كل هذه الأنواع الأربعة حرام بالإجماع .

وقال العلامة علي بن سليمان المداوي في ' الإنصاف ' : أما شرط ما يجر نفعاً أو أن يقضيه خيراً منه فلا خلاف في أنه لا يجوز .

فصل

في الجواب عما طعن فيه كاتب مقال الربا من أدلة الفقهاء

أما ما نقله كاتب مقال الربا عن السيد 'رشيد رضا' حول حديث النهي عن قرض جر منفعة . فلا يؤثر في الاستدلال به لأمور :

'أحدها' : تلقي كثير من العلماء رفع حديث ' النهي عن قرض جر منفعة' بالقبول(1405) واستدلالهم به في مصنفاتهم على تحريم النبي صلى الله عليه وسلم القرض الذي يجر المنفعة ، وإليك نصوصهم قال سحنون في 'المدونة' تحت عنوان ' السلف والإجارة' : لا يصلح كل سلف جر منفعة ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف جر منفعة . أ هـ . وقال ابن رشد في (المقدمات ص203 ، ص204 ج2) : ' قد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلف جر منفعة ' . وقال الكاساني في (بدائع الصنائع) في باب القرض ج7 ص395 في الكلام على تحريم ربا القرض : لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ' أنه نهى عن قرض جر نفعاً' وقال ابن الهمام في (فتح القدير) : ' قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قرض جر نفعاً ' .وقال العيني في (عمدة القاري) جـ12 ص135 : قد أجمع المسلمون نقلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا . وقال الحافظ الذهبي في ' الكبائر' (فصل) : عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال : إذا كان لك على رجل دين فأهدى لك شيئاً فلا تأخذه فإنه ربا . وقال الحسن رحمه الله : إذا كان لك على رجل دين فما أكلت من بيته فهو سحت ، وهذا من قوله صلى الله عليه وسلم ' كل قرضٍ جر نفعاً فهو ربا' .

'الثاني' أن النهي عن سلف جر منفعة على فرض عدم صحة رفعه ثابت عن الصحابة ، وتفسير القرآن بأقوال الصحابة واجب القبول ، كما بينه أئمة العلم ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ' مقدمته' في أصول التفسير : إذا لم نجد التفسير في القرآن ولا في السنة رجعنا في ذلك إلى أقوال الصحابة ، فإنهم أدرى بذلك ، لما شاهدوه من القرائن والأحوال التي اختصوا بها ، ولما لهم من الفهم التام ، والعلم الصحيح . أ هـ .

وقد وجدنا في ' مصنف عبد الرزاق ' و ' مدونة سحنون ' ما يدل على اقتفاء السلف أثر من أفتى من لاصحابة بتحريم ربا القرض ، قال عبد الرزاق في (باب قرض جر منفعة ، وهل يأخذ أفضل من قرضه) : أخبرنا معمر ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : كل قرض جر منفعة فهو مكروه . قاله




مواضيع متعلقة


اهم الفاعليات لهذا الشهر


الشبكات الإجتماعية

تغريدات تويتر