الجزء الأول هنا
ترجمة وتحقيق عشتار العراقية
لم تكن القصة قابلة للتصديق: مقاتل وحيد من طالبان مسلح بقنبلة يدوية فقط ويحاول ان يوقع فصيلة بكمين في وضح النهار؟ ناهيك عن ان المنطقة منبسطة ليس فيها ما يوفر حماية او اخفاء. حتى الآمر الأعلى رتبة في المشهد وهو الكابتن باتريك متشيل رأى ان هناك شيئا غريبا في قصة مورلوك وقال فيما بعد في التحقيقات "فكرت في انها غريبة ان يأتي احدهم ويلقي قنبلة يدوية علينا"
ولكن ميتشيل لم يأمر رجاله بتقديم المساعدة لمودين، الذي كان مايزال حيا، ولكن بدلا من ذلك أمر سارجنت كريس شبراغ أن "يتأكد" من ان الفتى ميت. شبراغ رفع بندقيته الآلية واطلق منها النار مرتين على مودين.
وفيما كان الجنود يتحلقون حول الجثة جاء شيخ محلي كان يعمل في حق الخشخاش واتهم مورلوك وهولمز بالجريمة . اشار الى مورلوك وقال ان الجندي وليس الفتى هو الذي رمى القنبلة اليدوية . تجاهله مولوك والجنود الآخرون.
من أجل التعرف على الجثة، جاء الجنود بكبير القرية الذي كان يجري حديثا مع الضباط في ذلك الصباح. ولكن بالصدفة المأساوية ، اتضح ان كبير القرية هو والد الفتى القتيل. كانت لحظة مؤثرة حين رأى الرجل ابنه في بركة الدم ، وقد شرح التقرير العسكري حالته بالقول "الوالد كان مضطربا جدا".
ولكن حزن الأب لم يمنع مزاج المتابعة الذي سرى بين الجنود. اتبعوا الاجراء الروتيني العسكري الذي يتطلبه الموت في ساحة المعركة.
ثم في انتهاك للبروتوكول بدأ الجنود في التقاط صورهم وهم يحتفلون بالقتل. وقد التقط هولمز صورته
وكذلك التقط مورلوك لنفسه صورة مشابهة.
بعد الجريمة ، لم تتم محاسبة الجنديان المشتركان بالقتل او يعاقبا عليها بأي شكل. بل تشجع أفراد الفصيلة على القيام بمزيد من القتل في الاشهر الاربعة التالية فقتلوا ثلاثة شبان مدنيين آخرين. ثم حين افتضحت هذه الجرائم في الصيف الماضي ، تحرك الجيش بقوة لوصف الجرائم باعتبارها من عمل "وحدة مارقة" ترتكب هذه الأفعال بدون علم رؤسائها. وقد اتهم المدعون العسكريون خمسة جنود برتب صغيرة بجرائم قتل المدنيين وغطى البنتاغون على اية معلومات حول الجرائم. ومنع جنود سرية برافو من الحديث للصحافة ، وقال محامو المتهمين ان موكليهم يواجهون معاملة قاسية اذا تحدثوا للاعلام بضمنها الحبس الانفرادي. ولم يوجه الاتهام لأي ضابط.
ولكن بعد مراجعة السجلات العسكرية الداخلية وملفات التحقيق التي حصلت عليها مجلة (رولنج ستون Rolling stone) بضمنها عشرات المقابلات مع اعضاء من سرية برافو جمعها المحققون العسكريون ، اتضح ان هناك افرادا من المشاة وصفوا بانهم اعضاء في "فريق قتل" سري يعمل في العلن ، امام بقية افراد الفرقة. وعلى عكس ما صوره البنتاغون من ان الجرائم كانت ترتكب خفية بعيدا عن اعين الجيش من قبل افراد مارقين، اتضح ان قتل المدنيين كان معلومة شائعة بين افراد الوحدة تعرف بانها غير شرعية ولكنها كانت مثار حديث كل الفصيل. وقال الجندي جستين ستونر لقيادة التحقيق الجنائي "الفصيلة كانت لها سمعة ممارسة عمليات القتل الممسرح والإفلات من الملاحقة".
ومنذ البداية كانت القيادة العسكرية العليا تعلم بطبيعة الجرائم. فخلال ايام من الجريمة الاولى جاء عم مودين الى ابواب قاعدة رامرود مع 20 من رجال قرية محمد قالاي مطالبين بالتحقيق. ويقول المقدم ديفد ابراهامز الآمر الثاني للكتيبة "كانوا يجلسون على بوابتنا الأمامية". وقد طلب آمر الكتيبة اعادة سؤال الجنود ولكن لما لم ير تناقضا في روايتهم ، اسقط القضية. لم يحاسب قادة الوحدة العسكرية بل تمت ترقيتهم. ولا يمكن الزعم ان الرتب العسكرية العليا في الوحدة لم تكن تعلم فعلاوة على أن اخبار الجرائم كانت مثار الحديث العلني بين الجنود، كانت هناك الصور الكثيرة التي التقطها الجنود مع القتلى مما تعكس ثقافة سائدة بين القوات الامريكية تعتبر قتل المدنيين الأفغان (والعراقيين) ليس سببا للقلق وانما هي سبب لافتخار والإحتفال. كان الجميع يعتبرون هؤلاء "متوحشين" . احدى الصور كانت لقتيل قطع اصبعه، واخرى لرأس مرفوع على عصا
وحتى قبل ان تفتضح جرائم الحرب كان البنتاغون قد اتخذ اجراءات صارمة لمنع التقاط الصور ونشرها – وهو جهد تعاون فيه كبار المسؤولين في الحكومتين الامريكية والأفغانية في مسعى لمنع اعادة تكرار صور أبي غريب. كان المحققون في افغانستان يفتشون الحواسيب وقد صادروا عشرات الاجهزة من الجنود ثم امروهم بمسح الصور المثيرة . كما ارسلت قيادة التحقيق الجنائي العسكري عناصر منها الى بيوت الجنود واقربائهم في امريكا لجمع نسخ الملفات التي قد يرسلها اليهم الجنود. كانت الرسالة واضحة : مايحدث في أفغانستان يبقى في أفغانستان.
كان الجيش، بمنع الصور، يحاول ايضا اخفاء أدلة على ان قتل المدنيين كان يتجاوز ، في اتساعه ، مجرد بضعة رجال مارقين في الفصيلة الثالثة.
يقول المصدر"هؤلاء بعض المزارعين الابرياء الذين يتم قتلهم. والاجراء المتبع لدى قتل مثل هؤلاء هو سحلهم الى جانب طريق عام"
يلقي المدعون العامون العسكريون اللوم في هذه الجرائم على عاتق جندي في قاع الترتيب العسكري في لواء سترايكر : كالفن جبز وكان قد خدم ثلاث جولات في العراق وافغانستان حيث خدم آمرا لحظيرة في الفصيلة الثالثة. وقد وجهت تهم في جرائم اقل لمورلوك وخمسة جنود آخرين مقابل الشهادة ضد جبز الذي يواجه حكما بالسجن مدى الحياة لثلاث تهم بجريمة مدبرة .
وقد وصف السارجنت (عريف) الذي يبلغ من العمر السادسة والعشرين بانه معتل اجتماعيا من طراز السفاح تشارلز مانسون ، قاتل مجنون يكن (كرها شديدا لكل الأفغان) وكان كل من حوله يمقته ويخاف منه. ولكن الشهادات التي جمعها المحققون من الجنود في سرية برافو تشير الى أن (جبز محبوب كثيرا في الفصيلة من قبل رؤسائه وأنداده ومرؤوسيه على السواء) ، مثلا الجندي آدم كيلي يقول عنه "أفضل من عملت معهم من القادة . وبسبب خبرته ، استطاع الكثير منا ان يعود حيا الى الوطن." وجندي آخر يصفه بأنه مرح ولطيف ومن اولئك الرجال الذين يمكن ان تحدثهم بأي شيء و يستطيع ان يخفف عنك اي وضع تكون فيه". ولا عجب أن جبز يخيف من حوله بطوله وجسمه الرياضي . نشأ في عائلة مورمونية في ولاية مونتانا وقد انخرط في الجيش في وقت مبكر وحصل على بعض الميداليات في العراق حيث كان الخط الفاصل لديه بين الدفاع الشرعي عن النفس وقتل المدنيين شديد التشويش. في عام 2004 قيل أن جبز وجنود آخرون اطلقوا لنار على عائلة عراقية عزلاء قرب كركوك وقتلوا بالغين وطفلا. ولم يتم التحقيق في الحادثة في وقتها ولكنها الآن تحت التحقيق العسكري.