السؤال: هل الجن يتشكلون بأشكال الناس والحيوانات، ويتحدثون مع الناس وكأنهم بشر؟ الجواب: نعم. الجن قد يتشكلون ويتحدثون مع الناس كأنهم بشر، وهذا ثابت كله في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ثابت ومتواتر، ولكن قد يقول قائل: كيف أوفق بين هذا وبين قول الله عز وجل: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [الأعراف:27]؟ أجاب العلماء قالوا: إن الشيطان وقبيله- يعني: قبيلته وجماعته- يرون الناس من حيث لا يرونهم إذا كانوا في أصل خلقتهم، أما إذا تشكلوا بخلقة جديدة فيمكن أن نراهم، والدليل على هذا كثير، منها: ما روى البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله وجعله حافظاً لزكاة عيد الفطر، فكان يرصدها في الليل، فجاء في ليلة من الليالي رجل فجعل يحثو من الزاد، فأمسكه أبو هريرة ، فشكا له الحال وقلة المال وكثرة العيال، فأشفق عليه أبو هريرة وأطلقه، فلما جاء في الصباح أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: زعم أنه لا يعود، قال: كذب، إنه سيعود، قال: فرصدته في الليلة الثانية عملاً بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء فأوثقته، وقلت: ما أفكك الآن، قال: فألح عليَّ، وطلبني، فأشفقت له وفككته، يقول: فلما جاءت الليلة الثالثة وقد أخبر النبي أنه سيعود، يقول: أمسكته وآليت أن آخذه، فقال: ألا أدلك على آية إن قلتها في الصباح لم يزل عليك من الله حافظ حتى تمسي، وإذا قلتها في المساء لم يزل عليك من الله حافظ حتى تصبح؟ قال: قلت: نعم. قال: اقرأ آية الكرسي، قال: فأطلقته، فلما جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما فعل أسيرك البارحة، فأخبرته بالآية، قال: صدقك وهو كذوب، أتدري من تكلم منذ ثلاث؟ قال: لا يا رسول الله، قال: ذاك الشيطان). فأخبر هذا الحديث أن الشيطان يتشكل في صورة إنسان، وقد يقول قائل: إنني أقرأ آية الكرسي ولا أسلم من الشيطان، نقول: إن قراءة آية الكرسي تختلف من شخص إلى شخص باختلاف قوة البواعث فيها، مثل الذي عنده بندق والهدف هناك، لكن الرماة ليسوا سواء، فمنهم من يرمي ويصيب، ومنهم من يخطئ الهدف فيجب أن تقرأها بيقين، فبعض الناس يقرؤها يختبر الله، يقول: سأقرأ وسأرى ماذا سيحدث، لا إله إلا الله! من أنت يا ضعيف؟! ويا مسكين؟! اقرأها موقناً وجازماً بها، والله عز وجل يحفظك، أما إذا كان هناك شك، فلا يجوز. أيضاً روى النسائي عن أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يقول: [كان لي تمر في جريد- انظروا كيف قوة إيمان الصحابة وقوة قلوبهم- فنقص فتعاهدته، فجاء رجلٌ أكبر من الغلام المحتلم، فأوثقته فإذا يده مثل يد الكلب فيها شعر، يقول: فأوثقته، فقلت: إنسي أنت أم جني؟ قال: جني. لقد علمت الجن ما فيها أشد بأساً مني، قال: أهكذا خلقتم؟ قال: نعم. قال: ما الذي يمنعنا منكم؟ قال: آية الكرسي] لكن لو أن واحداً منا أوثقه، وقال: جني، فكيف سيكون الحال؟! وهذا سبب من أسباب دخول الجن في الأنس أنك تخافهم: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً [الجن:6] قال ابن كثير : خبالاً وجنوناً، فهم إذا رأوا الواحد يرتجف ركبوه، وإذا رأوه جبلاً صامداً قوياً بدين الله لا يخاف إلا من الله فروا منه، وتنادوا في الشعاب والوديان: هناك مؤمن فروا منه، لا يقدرون عليه أبداً، فكن قوياً بالله عز وجل. وأذكر أني مرة قرأت على امرأة عندها صرع، وكنت قبل أوصي الجالسين أقول: لا تخافوا.. انتبهوا، فقرأت فلما خرج الجني دخل في أحد البنات الجالسات؛ لأنها كانت ترتجف، فعدت أقرأ على هذه ثانية، لكن في النهاية خرج والحمد لله. أيضاً من الأدلة: ما روى مسلم عن أبي السائب : [قال: دخلت على أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وهو يصلي، يقول: فانتظرته فإذا بحركة السرير الذي هو جالس عليه، فالتفت فإذا حية، فقمت لأقتلها، فقال: اصبر انتبه! إنه كان شاب من أهل المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الخندق في المعركة، وكان حديث عهد بعرس، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت القائلة، قال: دعني يا رسول الله! أتعاهد بيتي -من باب الغيرة ومراقبة الأهل ورصد تصرفاتهم- يقول: فلما جاء وإذا بزوجته واقفة على الباب، فرفع رمحه وشهره ليطعنها في كبدها غيرةً لله وحرصاً، فقالت له: اصبر تعال انظر ما في الداخل، فرد الرمح ودخل وإذا على الفراش حية رقطاء ممتدة على الفراش، فقام وركز الرمح في رأسها، يقول: فاضطربت عليه، ثم التوت فوقعت ميتةً؛ وهو يقول أبو سعيد : لا يدر أهي الأولى أم هو] فلما أخبروا النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إن في هذه المدينة أو البيوت عوامر، إذا وجدتم شيئاً مثلها فلا تقتلوها حتى تؤاذنوها أو تحرجوا عليها). فإذا رأيت حية أو ثعباناً في بيتك فلا تقتله حتى تحرج عليه، قيل: ثلاث مرات وقيل: ثلاثة أيام، قال العلماء: إن كان في بيت أنت محتاج إليه، تريد أن تسكن فيه أو تنام، فحرجه ثلاث مرات، وكيف تحرج؟ تقول: أحرج عليك بالله إلا خرجت، أحرج عليك بالله إلا خرجت، أحرج عليك بالله إلا خرجت، ثم تصرف نظرك، لأنه لا يتشكل وأنت تراه، فإذا صرفت نظرك، ثم نظرت إليه وقد انصرف فهو جني، وقد ذهب، وإذا حرجت بالله عليه ثلاثاً، ثم صرفت نظرك، ثم رجعت وهو موجود فاقتله، فإنما هو من الدواب، قالوا: وإن كان في بيت لا يحتاج إليه كمن وجده في مستودع، أو دكان، أو مزرعة ولا يحتاج له، فإنه يحرج عليه ثلاث مرات في كل ليلةٍ مرة؛ ليجمع بين الحديثين. وأيضاً يتصور الشيطان في صورة البشر، فيأتي في صورة البشر كما في قصة الشيخ النجدي الذي رواها ابن إسحاق في سيرة ابن هشام قال: لما اجتمع كفار قريش في دار الندوة ليتفكروا ويتشاوروا في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وقتله، دخل عليهم رجل ذو هيئة، وعليه عباءة وعمامة، قالوا: من الرجل؟ قال: شيخ من نجد من بني حنيفة، قالوا: ما تريد؟ قال: جئت لعلي لا أعدمكم رأياً -يقول: لعلكم تحصلون مني على رأي سديد- قالوا: ادخل، فجلسوا يتناقشون في أمر النبي صلى الله عليه وسلم وكلٌ أشار بشوره، فمنهم من قال نطرده، ومنهم من قال: نسجنه، فكان كلما قيل رأي، يقول: هذا ليس هذا برأي، فلما أشار أبو جهل بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، قال: الرأي ما قال هذا، يعني: هذا الخبيث أشار برأي أبي جهل بقتل النبي صلى الله عليه وسلم. وأيضاً ما ثبت أن الشيطان في يوم بدر تشبه بصورة سراقة بن مالك ، وجاء في قومه في جماعة وهم كلهم شياطين، وقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، إني جارٌ لكم -ورفيقكم لا يهمكم تقدموا- فلما رأى الملائكة ولى وقال لهم: إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله، يقول الصحابة: كنا نعرف قتلانا من قتلى الملائكة في بدر ، فكان الرجل يمشي خلف الرجل فيموت مباشرة، نعم. لأن وراءه ملك من الملائكة يقتله. فهذه القصص كلها تُثبت أن الشياطين قد تتشكل بأشكال الإنسان وبأشكال أخرى.
|